اقتربت السوق العقارية المحلية مع نهاية الربع الثالث من العام الجاري، من تسجيل أسوأ أداء لها منذ الربع الرابع لعام 2010، حيث انحدر إجمالي قيمة صفقاتها العقارية (سكني، تجاري) حتى نهاية الأسبوع الماضي إلى أدنى من 43.3 مليار ريال، وهي القيمة الأدنى ربع السنوية للسوق العقارية خلال الأعوام الستة الماضية، كانت قد وصلت إلى أعلى قيمة لها خلال الربع الثاني من 2014 عند مستوى 126.3 مليار ريال، وهو ما يشير إلى أن سيولة السوق العقارية المحلية تتجه بنهاية العام الجاري إلى تسجيل أدنى مستوى لها من عام 2011 في المقابل ارتفعت مساحات الصفقات العقارية المنفذة خلال الربع الثالث حتى نهاية الأسبوع الماضي، إلى ثاني أعلى مستوى لها في تاريخ السوق العقارية، لتتخطى 1.1 مليار متر مربع رغم الانخفاض الكبير في قيمة صفقاتها بما لم يتجاوز 43.3 مليار ريال، وتقترب من المستوى نفسه الذي وصلت إليه السوق خلال الربع الثاني من عام 2014 حينما وصلت المساحات المنفذة إلى نحو 1.4 مليار متر مربع، لكن بأعلى قيمة صفقات عقارية ربع سنوية (126.3 مليار ريال)
وبحسب ماكتبه المحلل لااقتصادي عبد الحميد العمري ونشرته الاقتصادية اليوم قال العمري تعكس هذه التطورات اللافتة للسوق العقارية المحلية؛ انغماسها بصورة أكبر في عمليات بيع واسعة جدا للأراضي لكن بأسعار أدنى بكثير من قبل كبار ملاك الأراضي، وهو أمر كان متوقعا سابقا لكن بأدنى من ذلك بكثير أثناء دراسة آثار بدء تطبيق الرسوم على الأراضي البيضاء داخل النطاق العمراني للمدن والمحافظات، إلا أنه كما يبدو من تفاقم حجم الضغوط على أداء السوق العقارية (انخفاض أسعار النفط، انخفاض الإنفاق الحكومي الرأسمالي تحديدا، انخفاض مستويات السيولة المحلية، تقلص نمو التمويل العقاري)، إضافة إلى ارتفاع وعي أفراد المجتمع تجاه عديد من الممارسات المضللة في السوق، وارتفاع درجة الثقة لدى الأفراد بأن الانخفاض الراهن في الأسعار السوقية للأراضي والعقارات، كل تلك المتغيرات ليست إلا بداية طريق طويل سيستغرق عدة أعوام مقبلة، وأنه كلما تم تأجيل قرار الشراء حظي المشتري بمزيد من الانخفاض السعري، إضافة إلى تجنيب دخله تحمل أعباء أكبر من القروض العقارية مستقبلا.
يضاف إلى كل العوامل أعلاه، ما كشفته أحدث بيانات رسمية عن مساحات الأراضي البيضاء على مستوى جميع محافظات المملكة ومدنها، صدرت في التقرير السنوي 1436 لوزارة الشؤون البلدية والقروية، ونشرته في تقرير مفصل صحيفة “الاقتصادية” مطلع الأسبوع الماضي، كان من أهم أظهرته تلك البيانات توافر مساحات للأراضي السكنية داخل المدن والمحافظات غير مستعملة تفوق 27.6 مليار متر مربع! وهي المساحة التي تفوق بأعلى من الضعف، جميع ما تم تطويره لأجل الاستخدام السكني في جميع مدن ومحافظات المملكة 13.3 مليار متر مربع، ما يؤكد من جديد استفحال خطر الاحتكار في السوق العقارية المحلية، وأن أسباب نشوء أزمة الإسكان مفتعلة من جذورها، وإلا كيف نشأت أزمة الإسكان لتشكل أحد أكبر التحديات التنموية محليا، في الوقت الذي تتوافر فيه هذه المساحات الشاسعة جدا من الأراضي السكنية غير المستغلة؟
الأهم هنا في ضوء هذه الشفافية المعلوماتية المتجددة على السوق العقارية، التي ضيقت كثيرا الخناق على المتورطين في عمليات التدليس العقاري طوال عقود مضت، لعل من أخطر ما روجوا له طوال تلك الفترة “شح الأراضي”، وأنه أحد أكبر أسباب الأزمة الإسكانية، لتأتي البيانات الرسمية لوزارة الشؤون البلدية والقروية مؤكدة بطلان هذا التزييف من قبل تجار الأراضي والعقار. أؤكد أن الأهم هنا هو أن يتم توظيف هذه الشفافية في زيادة وعي أفراد المجتمع الباحثين عن تملك مساكنهم، وأن حجم عرض الأراضي المتاحة للاستخدام والتطوير العقاري تفوق مساحته في الوقت الراهن، (ضعفي) ما تم استخدامه لتطوير المساكن منذ تأسيس المدن والمحافظات! وهي الحقيقة التي يجب أن توظف كأحد أهم محددات قرارات الشراء والبيع في السوق العقارية من قبل الأفراد، التي بدورها تعني ضرورة استجابة الأسعار المتضخمة لهذه المعلومة البالغة الأهمية، إضافة إلى بقية العوامل المشار إليها أعلاه كما يجب على وزارة الإسكان أمام هذه المعلومات المهمة جدا حول المساحات الهائلة من الأراضي البيضاء، أن تتحرك بقوة أكبر وأسرع على طريق تطبيق الرسوم على الأراضي البيضاء داخل المدن والمحافظات، التي متى ما قامت بذلك فإنها ستنجح في التجاوز السريع لأزمة الإسكان المفتعلة من جذورها كما أصبح واضحا للعيان، وستتمكن من تحقيق أهدافها تحت مظلة “رؤية المملكة 2030” بتكاليف مادية أدنى بكثير مما كان مخططا له، وبمعدلات أعلى بكثير مما كان مستهدفا منها حسبما أعلنته.