كشفت جمعية حقوق الإنسان من خلال دراسة أعدتها عن مدى انسجام الأنظمة السعودية مع اتفاقات حقوق الإنسان الرئيسة أن وضع اتفاق القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة هو الأكثر سوءاً في السعودية، إذ يشكل هذا الاتفاق التحدي الأكبر أمام السعودية، والتي لا تقتصر على مستوى الأنظمة فقط، بل بما تتطلبه من وضع برامج لتغيير الأنماط الاجتماعية والثقافية السائدة والمقللة من شأن المرأة مقارنة بالرجل.
وأكدت الدراسة أنه ليس هناك انتهاك لقواعد الشريعة يستلزم الوقوف عليه واتخاذ موقف رافض لهذه الاتفاقات ككل، مفيدة أن هناك بعض نصوص الاتفاقات تصطدم في حقيقة الأمر بالأوضاع الاجتماعية أكثر من اصطدامها بأحكام الشريعة، إذ إن كثيراً من تلك الاتفاقات التي تقرر حقوقاً للمرأة وعلى رأسها اتفاق القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة لا يصطدم إلا بالأوضاع الاجتماعية والثقافية التي تقلل من شأن المرأة.
وأشارت إلى أن وضع المرأة أمام المحاكم والمبالغة الشديدة في مسألة الولاية عليها والذي أدى إلى اعتبارها ناقصة الأهلية بطبيعتها لا يستند إلى الشريعة في شيء، وإنما يرتكز على موروثات اجتماعية وثقافية في المقام الأول.
وأضافت إن هناك بعض الأحكام الشرعية هي في الأساس مسائل فقهية ولا توجد بشأنها قاعدة شرعية قاطعة أو إجماع فقهي، مستشهدة بتوقيع العقوبات الحدية كالإعدام على الأطفال، إذ لا يمكن القول إن الشريعة الإسلامية تأمر أو تستلزم قتل الطفل حداً، مشيرة إلى أن هناك بعض المسائل التي يظن أنها تخالف أحكام الشريعة نتيجة فهم غير دقيق لنصوص الاتفاق، كالنصوص التي تقرر حرية الاعتقاد الديني كون هذا الحق بطبيعته لا رقابة لأحد عليه، ولا ينبغي أن يختلط بحق آخر وهو الحق في ممارسة الشعائر الدينية على الملأ وهذا الأخير يخالف قواعد الشريعة الإسلامية.
واعتبرت الدراسة أن تقنين أحكام الشريعة الإسلامية والأرجح من أقوال الفقه الإسلامي حديث قديم جديد منذ مجلة الأحكام العدلية العثمانية ومروراً بقرار الملك عبدالعزيز القاضي بالتقنين منذ أكثر من 70 عاماً ولا يزال مطروحاً على الساحة في السعودية، كما أن مشروع تقنين التعزير لا يزال في الانتظار ولم ير النور حتى الآن، وأنه أياً كانت الاعتبارات التي عرقلت مشروع التقنين في السعودية فإن احترام السعودية لما انضمت إليه من اتفاقات لحقوق الإنسان لن يكتمل إلا بالتقنين ولا سيما تقنين المسائل الجنائية، وهذه الاتفاقات تفرض تحديداً مسبقاً لأفعال الجرائم وتحديد العقوبات المخصصة لها، وهو مايعد في الوقت نفسه تطبيقاً للمادة 38 من النظام الأساسي للحكم، والتي تقضي بأنه لا جريمة ولا عقوبة إلا بنص شرعي أو نظامي.
وقالت إن العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية هو عمدة مواثيق حقوق الإنسان الدولية، ولا ينبغي فقط سرعة الانضمام إليه بعد أكثر من 40 عاماً على صدوره، وإنما ينبغي أن يولي عناية خاصة لمعالجة الأنظمة المخالفة له ولإصدار أنظمة جديدة لتفعيله.
وختمت الدراسة أن مسألة توفيق الأنظمة السعودية مع اتفاقات حقوق الإنسان لم تلق عناية كافية، وهو مايترتب عليه الوضع الراهن المتمثل في الهوة بين مقتضيات هذه الاتفاقات ووضع الأنظمة الداخلية، وأن مايدعو للتفاؤل بشأن تحسين هذا الوضع هو وجود جهات حديثة النشأة القائمة على هذه المسألة مثل جمعية حقوق الإنسان وهيئة حقوق الإنسان، إذ سيكون لهذه الجهات أثر في تضييق المسافة بين الأنظمة الداخلية واتفاقات حقوق الإنسان، مؤكدة أن وجود مثل هذه الجهات دليل على نية الدولة في بذل جهود في هذا المجال، وسد النقص والتأخر الذي خلفته الأعوام العجاف السابقة.